قيادة المرأة- ربع قرن من التشويه الصامت والندم المتأخر.
المؤلف: عبدالرحمن اللاحم08.13.2025

في غمرة انغماسي بقراءة كتاب "السادس من نوفمبر.. المرأة وقيادة السيارة ١٩٩٠" للإعلاميتين القديرتين عائشة المانع وحصة آل الشيخ، استحضرت ذاكرتي شريطًا من الماضي يعود بي إلى ما يقارب الخمسة والعشرين عامًا الخوالي. تحديدًا، استرجعت صورةً من زاوية هادئة في رحاب الجامع الكبير بمدينة بريدة، حيث كنت أجلس رفقة ثلة من أصدقائي اليافعين، لم تتجاوز أعمارنا في تلك الحقبة العقد الثاني، كنا في بداية خطواتنا الجامعية بعد أن طوينا صفحة التعليم العام، وكانت الجامعة آنذاك تعج بالحراك الثوري العارم الذي تغذيه خطب قادة الصحوة الذين استأثروا بالمشهد وسلبوا الأضواء، بعد أن أعلنوا تمردهم إثر اندلاع حرب تحرير الكويت وما أعقبها من تحولات سياسية عصفت بالمنطقة.
كنا نترقب بشغف بداية محاضرة لأحد أبرز نجوم تلك المرحلة، وهو أستاذ في كلية اللغة العربية يدعى سلمان بن فهد العودة، والتي كانت تحمل عنوانًا استفزازيًا "عفوًا.. لسنا أغبياء بدرجة كافية"، وأتت هذه المحاضرة ضمن سلسلة دروس كان يلقيها في الجامع نفسه بعد صلاة المغرب من كل يوم أحد. وبينما نحن في الانتظار، كنا نتداول العديد من المنشورات التي كانت توزع بكثافة في مساجد بريدة ومدارسها وجامعة الإمام، وخاصة في كليتي الشريعة وأصول الدين. كانت هذه المنشورات تعج بالعبارات المشينة والشتائم البذيئة والاتهامات الظالمة الموجهة إلى مجموعة من السيدات الجليلات اللاتي تجرأن على قيادة سياراتهن في أحد أحياء الرياض، وزعموا بأنهن يسعين إلى "إسقاط" الحجاب وتغريب المجتمع، بالإضافة إلى سلسلة من التهم الباطلة التي صاغها أشخاص مجهولون لم نعرفهم حتى يومنا هذا، هم من قاموا بإعداد تلك المنشورات وتوزيعها. في تلك الفترة، لم نكن ندرك أن تلك العبارات تدخل ضمن نطاق الشتم والقذف والتحريض، بل كان شيوخنا يصورونها على أنها ضرب من الجهاد في سبيل الله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومواجهة شرسة لحملة التغريب ودعاة الضلال، ولم يكن لنا الحق في التفكير أو الجدال أو النقاش، بل كان المطلوب منا هو التسليم المطلق والانصياع الأعمى.
انطلقت المحاضرة التي كانت جزءًا من سلسلة محاضرات وخطب منتشرة في أرجاء المملكة، وشنت هجومًا ضاريًا على تلك المجموعة من السيدات الفاضلات، واستباحت سمعتهن دون أدنى اعتبار لأبسط قواعد الأخلاق أو القيم الدينية، وتم تهميشهن وعزلهن تمامًا عن المجتمع والتضييق عليهن في أرزاقهن، لا لشيء إلا لأن تلك النخبة النسائية المثقفة لم ترضخ لسلطة شيوخ الصحوة وأعلنت تمرّدها عليهم في أوج قوتهم وسطوتهم. لم أدرك مدى ظلم وجور تلك الحملة إلا بعد أن تعرفت على العديد منهن عن قرب، وتفهمت حجم الألم والمعاناة التي سببها لهن دعاة الغلو والتطرف. لقد شعرت بالأسف والندم الشديدين لأنني حضرت تلك المحاضرة، وتداولت تلك المنشورات، وأصغيت إلى أقوال السوء والإفتراءات الباطلة.
والآن، وبعد مرور عقدين ونصف من الزمن، وقد تغيرت الأحوال وتبدلت مفاهيم قادة الصحوة، لم يجرؤ أحد منهم على تقديم الاعتذار لتلك النسوة الفاضلات عما اقترفوه بحقهن وبحق عوائلهن، على الرغم من أنهم يدّعون الانفتاح والتسامح، ويكثرون من الثرثرة في حساباتهم على تطبيقات التواصل الاجتماعي عن قيمة الاعتذار وأهميته. أما بناتهم اللاتي لم يكن قد ولدن بعد في السادس من نوفمبر عام ٩٠، فإنهن في الولايات المتحدة الأمريكية يقدن سياراتهن الفارهة ويتجولن بها بين ولايات الغرب الكافر الذي كانوا يفتون لنا بأنه لا يجوز السفر إليه، وقد تبخرت تلك الفتاوى وتلاشت في مهب الريح، كما تلاشت غيرها، دون أن يعتذر عنها أحد أو يراجعها.
كنا نترقب بشغف بداية محاضرة لأحد أبرز نجوم تلك المرحلة، وهو أستاذ في كلية اللغة العربية يدعى سلمان بن فهد العودة، والتي كانت تحمل عنوانًا استفزازيًا "عفوًا.. لسنا أغبياء بدرجة كافية"، وأتت هذه المحاضرة ضمن سلسلة دروس كان يلقيها في الجامع نفسه بعد صلاة المغرب من كل يوم أحد. وبينما نحن في الانتظار، كنا نتداول العديد من المنشورات التي كانت توزع بكثافة في مساجد بريدة ومدارسها وجامعة الإمام، وخاصة في كليتي الشريعة وأصول الدين. كانت هذه المنشورات تعج بالعبارات المشينة والشتائم البذيئة والاتهامات الظالمة الموجهة إلى مجموعة من السيدات الجليلات اللاتي تجرأن على قيادة سياراتهن في أحد أحياء الرياض، وزعموا بأنهن يسعين إلى "إسقاط" الحجاب وتغريب المجتمع، بالإضافة إلى سلسلة من التهم الباطلة التي صاغها أشخاص مجهولون لم نعرفهم حتى يومنا هذا، هم من قاموا بإعداد تلك المنشورات وتوزيعها. في تلك الفترة، لم نكن ندرك أن تلك العبارات تدخل ضمن نطاق الشتم والقذف والتحريض، بل كان شيوخنا يصورونها على أنها ضرب من الجهاد في سبيل الله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومواجهة شرسة لحملة التغريب ودعاة الضلال، ولم يكن لنا الحق في التفكير أو الجدال أو النقاش، بل كان المطلوب منا هو التسليم المطلق والانصياع الأعمى.
انطلقت المحاضرة التي كانت جزءًا من سلسلة محاضرات وخطب منتشرة في أرجاء المملكة، وشنت هجومًا ضاريًا على تلك المجموعة من السيدات الفاضلات، واستباحت سمعتهن دون أدنى اعتبار لأبسط قواعد الأخلاق أو القيم الدينية، وتم تهميشهن وعزلهن تمامًا عن المجتمع والتضييق عليهن في أرزاقهن، لا لشيء إلا لأن تلك النخبة النسائية المثقفة لم ترضخ لسلطة شيوخ الصحوة وأعلنت تمرّدها عليهم في أوج قوتهم وسطوتهم. لم أدرك مدى ظلم وجور تلك الحملة إلا بعد أن تعرفت على العديد منهن عن قرب، وتفهمت حجم الألم والمعاناة التي سببها لهن دعاة الغلو والتطرف. لقد شعرت بالأسف والندم الشديدين لأنني حضرت تلك المحاضرة، وتداولت تلك المنشورات، وأصغيت إلى أقوال السوء والإفتراءات الباطلة.
والآن، وبعد مرور عقدين ونصف من الزمن، وقد تغيرت الأحوال وتبدلت مفاهيم قادة الصحوة، لم يجرؤ أحد منهم على تقديم الاعتذار لتلك النسوة الفاضلات عما اقترفوه بحقهن وبحق عوائلهن، على الرغم من أنهم يدّعون الانفتاح والتسامح، ويكثرون من الثرثرة في حساباتهم على تطبيقات التواصل الاجتماعي عن قيمة الاعتذار وأهميته. أما بناتهم اللاتي لم يكن قد ولدن بعد في السادس من نوفمبر عام ٩٠، فإنهن في الولايات المتحدة الأمريكية يقدن سياراتهن الفارهة ويتجولن بها بين ولايات الغرب الكافر الذي كانوا يفتون لنا بأنه لا يجوز السفر إليه، وقد تبخرت تلك الفتاوى وتلاشت في مهب الريح، كما تلاشت غيرها، دون أن يعتذر عنها أحد أو يراجعها.